أميرة النعال-هالة أبوشعالة
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر شابًا في الثلاثينيات من عمره بجانب فتاة صغيرة ترتدي زي العروس، مرفقًا بادعاء يفيد بزواجهما. وحصد الفيديو ملايين المشاهدات على عدة منصات وأثار جدلًا واسعًا.
تم تداول الادعاء على أنه حصل في ليبيا هنا وهنا
وتم تداول أنه حدث في العراق هنا وهنا
في هذا التقرير، نستعرض حقيقة هذا الادعاء وكيف ساهم البحث وراء القصة والرصد المتعمق في كشف زيفه.
تفاصيل
بدأت القصة عندما تداولت عدة صفحات عربية متنوعة على منصات التواصل الاجتماعي المقطع مدعية أن الشاب الثلاثيني عقد قرانه على القاصر في إحدى المناطق الليبية ومنصات اخرى ادعت أن الواقعة حدثت في العراق .
رافق الفيديو تعليقات تستنكر هذه الممارسة، بينما دعمت بعض التعليقات الأخرى الادعاء دون تحقق من مصدره.
حقق الفيديو انتشارًا واسعًا، مما دفع عددًا من النشطاء إلى التعبير عن غضبهم واستنكارهم لما اعتبروه انتهاكًا لحقوق القاصرات.
ومع ذلك، أظهر تحقيقنا أن المقطع استُخدم بشكل مضلل لإثارة الجدل وجذب الانتباه بعد نشره أول مرة في سياق مضلل عبر حساب أرفقه مصحوبا بلغة كردية على أنه في العراق.
ويمكن إيجاده هنا
التحقق
بينما لم يرشد البحث العكسي عن المقطع لنتائج يمكن الاعتماد عليها كمصادر موثوقة بدأ فريق هي تتحقق برصد المنشورات التي تناولت الحادثة.
رصد فريق هي تتحقق منشورات في مجموعات ليبية أشارت إلى أن الشخص الظاهر في الادعاء يقف إلى جانب ابنة أخيه في عرسه وليس إلى جانب عروسه.
استخدم فريق هي تتحقق الصور التي شاركها أقرباء العريس الظاهر في الادعاء والتي تظهره إلى جانب الطفلة في مشاهد أخرى واستطاع من خلالها الوصول لحساب الشخص الذي عمل على نشر الصورة و تصوير المقطع المنتشر مع الادعاء واسمه “عمر الفضيل”.
تواصل فريقنا مع المصور الذي أكد أن المقطع التقط في ليبيا أثناء مناسبة عائلية، وأن الفتاة التي تظهر فيه ليست عروسًا، بل ابنة شقيق الشاب، وكان الفيديو يوثق لحظة مرحة تجمعهما وتم نشره بموافقة أهل الطفلة.
المصور أوضح أيضا بأنه تلقى تهديدات من جهات مجهولة لإجباره على حذف الفيديو، رغم أنه أوضح في تعليقه على الفيديو أن الادعاء غير صحيح، وأن الشخصين الظاهرين هما طفلة وعمها. و لأنه المقطع أخذ منعطفا أخرا من التأويل قرر أن يحذفه من حسابه الرسمي وهو ما يفسر عدم تمكننا من الوصول للمقطع الاصلي.
العريس ينفي الخبر
تواصل فريق هي تتحقق أيضا مع العريس الليبي الذي يظهر في الادعاء واسمه “محمود الورفلي” والذي أنكر بدوره الأمر وأكد أن الطفلة “يقين الورفلي” التي ظهرت في المقطع هي ابنة أخيه، وكانت تقف معه أمام باب قاعة الزفاف.
و استنكر الورفلي السياق الذي انتشر فيه المقطع في ليبيا وغير ليبيا واصفا إياه بأنه “كذب وزيف” ومعتبرا أن من نشروا المقطع متبوعا بوصف “تزويج قاصر” حاولوا تحقيق مكاسب شخصية وشهرة على حسابه.
قوانين الزواج وتزويج القاصرات: الواقع القانوني في ليبيا والعراق
في ليبيا، يخضع تنظيم الزواج لقانون الأحوال الشخصية رقم (10) لسنة 1984، الذي يحدد سن الزواج عند 20 عامًا، مع السماح بالزواج لمن هم أقل من ذلك في حالات الضرورة أو المصلحة بعد موافقة الولي.
في عام 2015، تم تعديل القانون (التعديل رقم 14) ليُخفض سن الزواج إلى 18 عامًا، مع الإبقاء على إمكانية الإذن القضائي للزواج لمن هم دون هذا السن، إلا أن هذا التعديل ألغي لاحقًا بالقانون رقم (1) لسنة 2020.
حاليًا، تنقسم القوانين المطبقة بين المناطق الشرقية والغربية، حيث لا يزال التعديل الذي يحدد السن عند 18 عامًا ساريًا في الغرب.
الجدير بالذكر أن القانون الليبي يتيح استثناءً مثيرًا للجدل يسمح بتزويج القاصرات عبر الإذن القضائي، حيث يمنح قاضي الأمور المستعجلة صلاحية التصديق على الزواج في ظروف معينة.
أما في العراق يحدد قانون الأحوال الشخصية الحالي السن القانونية للزواج بـ 18 عاما، أو 15 عاما بإذن القاضي واعتمادا على “أهليته [أي الطفل] وقابليته البدنية”، ما يتعارض أصلا مع المعايير القانونية الدولية وأفضل الممارسات.
و في خطوة أثارت عاصفة من الجدل، ناقش البرلمان العراقي في ديسمبر من عام 2024 تعديل قانون الأحوال الشخصية للسماح بزواج الفتيات دون سن التاسعة، ما دفع قوى سياسية ومنظمات حقوقية لإعلان رفضها القاطع.
افتتح النقاش بتوضيح التعديلات المقترحة، والتي تتيح للعراقيين الاختيار بين تطبيق قوانين الأحوال الشخصية الحالية أو أحكام المذهب السني أو الشيعي عند إبرام عقود الزواج.
وأوضح النقاش أن القانون الحالي يمنع الزواج لمن هم دون سن 18 عامًا، إلا بإذن قضائي بدءًا من عمر 15 عامًا، بينما يسمح التعديل بزواج القاصرات وفق المذهب المختار.
وكان “تحالف 188للدفاع عن قانون الاحوال الشخصية ” في العراق قد عبر عن رفضه لأي تعديلات “تُفرّغ القانون من روح العدالة والمساواة”
واعتبر التحالف أن هناك “تأثيرات سلبية لهذه التعديلات المحتملة، بما في ذلك تقنين زواج القاصرات، والانتقاص من حقوق المرأة في الحضانة والميراث، وتكريس الطائفية في الاسرة العراقية مما يؤثر سلبا على وحدة المجتمع”.
37 مليون حالة تزويج أطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تشير بيانات اليونيسيف إلى وجود حوالي 640 مليون فتاة وامرأة على قيد الحياة اليوم تزوجن في مرحلة الطفولة، أي قبل بلوغهن سن 18 عامًا.
يُظهر التوزيع الجغرافي لهذه الظاهرة تفاوتًا كبيرًا بين المناطق، حيث تستحوذ منطقة جنوب آسيا على النسبة الأكبر، إذ يعيش فيها ما يقرب من نصف عدد الأطفال المتزوجين في العالم (45٪)، أي حوالي 290 مليون حالة. تليها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 20٪ (127 مليون حالة).
أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فتشير الإحصائيات إلى وجود 37 مليون حالة زواج أطفال، ما يمثل حوالي 6٪ من الإجمالي العالمي.